لا شك أنّ انتصار "حزب الله" على إسرائيل في العام 2006 شكّل نقطة تحوّل في الصراع العربي-الاسرائيلي، بحيث أنّ الجيش الاسرائيلي الذي كان يصنّف من أعظم جيوش العالم في قدراته العسكرية عجز عن تحقيق أهدافه وأعلن هزيمته أمام القدرات الدفاعية التي قدّمها "حزب الله" حينها.
وبعد مرور 8 سنوات على الهجوم الاسرائيلي على لبنان، لا شك أنّ الدولة العبرية باتت تراقب بشكل دقيق القدرات العسكرية لـ"حزب الله" بعد أن رسّخت حرب 2006 فكرة توازن الرعب الى حدّ ما، لا بل فإنّها اليوم تراقب مجريات المعركة في سوريا عن كثب وخصوصًا بعد تدخل الحزب فيها، لتبحث وتحلّل قدراته الهجومية التي استطاع من خلالها حسم العديد من المعارك على أرض غير أرضه، منتصرًا ومن موقع المهاجم، أي بشكل مغاير تمامًا لما حصل عام 2006. ومما لا شك فيه أنّ الانتصارات التي يحققها "حزب الله" في سوريا، بتحريره للعديد من المدن والمناطق التي تعتبر استراتيجية في وقت قياسي، جعل منه محط أنظار في ما يتعلق بانتظامه وتخطيطه ودراسته لارض المعركة.
فبعد أن تمكن "حزب الله" من فرض سيطرته على منطقة القصير الاستراتيجية وعلى مدن عديدة في القلمون وريف حمص داخل الاراضي السورية، كان لا بدّ من معرفة الآليّة التي يعتمدها "حزب الله" في هذه المعركة الذي يأخذ فيها موقعا هجوميا. وفي هذا السياق، كشفت مصادر متابعة لـ"النشرة" عن الاستراتيجية المتّبعة بإدارة المعارك اليوم في سوريا، والتي تبدأ بـ"تحديد المنطقة" كخطوة أولى للهجوم، والتي يتم فيها استخدام صور جوية عبر الأقمار الاصطناعية وأخرى يحصل عليها من طائراته الاستطلاعية التي ترصد المنطقة لفترة زمنية وبشكل دقيق ومفصّل لتحديد الاهداف للمراحل التالية.
وبعد انتهاء علميات الرصد التي يجمع من خلالها الحزب بنك الأهداف الأساسي، ينتقل إلى مرحلة القصف المركز على الأهداف الحيوية في منطقة العمليات كمخازن الأسلحة والمراكز القيادية للجماعات الإرهابية المسلحة، ومن ثمّ ينتقل وبحسب المصادر إلى مرحلة "السيطرة بالنار" والتي يقوم من خلالها بالقصف المدفعي العنيف الذي يهدف إلى إنهاك الفريق الآخر بشكل يستنزف قدراته البشرية والعسكرية دون أيّ التحام مباشر. وهنا تبدأ مرحلة الهجوم العسكري التي تديرها غرفة العمليات عبر صور مباشرة من طائرات الاستطلاع ومن كاميرات بث مباشر مزروعة على أطراف أرض المعركة لترصد عمليات "القنص المدفعي أو الصاروخي" لأيّ هدف متحرك.
وبعد استنزاف ما يعادل الـ80% من قدرات المعارضة السورية، تأتي مرحلة الالتحام المباشر التي تقوم بها "فرقة التدخل" في "حزب الله" والتي تتمتع بقدرات عسكرية عالية جدًا لتشتبك مع من تبقى من الجماعات المعارضة داخل المنطقة. وتؤكد المصادر أنّ "حزب الله" يعمد غالبا على إبقاء ممر لهروب بعض المسلحين الذين غالبا ما يقعون في كمائن لدى خروجهم من المدينة.
وانطلاقا من هنا، فان المعارك التي يخوضها الحزب في سوريا تشكّل مصدر قلق لاسرائيل خصوصًا أن قدراته الهجومية العالية أصبحت تحاكي قدراته الدفاعية.